الإثنين ٠٨ / ربيع الأوّل / ١٤٤٧
س: الأخ أ. م. م من الكويت يقول في سؤاله: ذكر أحد العلماء أن الإمام ابن تيمية رحمه الله يستحسن الاحتفال بذكرى المولد النبوي فهل هذا صحيح يا سماحة الشيخ؟
ج: الاحتفال بالمولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم بدعة لا تجوز في أصح قولي العلماء لأن النبي ﷺ لم يفعله، وهكذا خلفاؤه الراشدون، وصحابته جميعًا وهكذا العلماء وولاة الأمور في القرون الثلاثة المفضلة، وإنما حدث بعد ذلك بسبب الشيعة ومن قلدهم، فلا يجوز فعله ولا تقليد من فعله. والشيخ تقي الدين أحمد بن تيمية رحمه الله ممن ينكر ذلك ويرى أنه بدعة.. ولكنه في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) ذكر في حق من فعله جاهلا، ولا ينبغي لأحد أن يغتر بمن فعله من الناس أو حبذ فعله أو دعا إليه كمحمد علوي مالكي وغيره لأن الحجة ليست في أقوال الرجال وإنما الحجة فيما قال الله سبحانه أو قاله رسوله ﷺ أو أجمع عليه سلف الأمة، لقول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59] وقوله سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ الآية [الشورى:10]، وقوله سبحانه: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21]. وهو عليه الصلاة والسلام لم يفعل ذلك، وقد بلغ البلاغ المبين بأقواله وأفعاله ﷺ، وأصحابه لم يفعلوا ذلك، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، وقد قال النبي ﷺ: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد متفق على صحته، وقال عليه الصلاة والسلام: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد أخرجه مسلم في صحيحه، وكان ﷺ يقول في خطبه: أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة أخرجه مسلم في صحيحه. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وقد كتبت في ذلك كتابة مطولة بعض الطول، وفي بدع أخرى كبدع الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وقد طبعت كلها في كتيب بعنوان: (التحذير من البدع) وهو يوزع من دار الإفتاء ومن وزارة الشئون الإسلامية، وهو موجود في كتابي بعنوان: (مجموع فتاوى ومقالات) في المجلد الأول صـ 227 فمن أحب أن يراجع ذلك فليفعل، ونسأل الله أن يوفقنا وجميع المسلمين لمعرفة الحق واتباعه وأن يعيذنا جميعا من البدع والمنكرات ما ظهر منها وما بطن، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه[1]. من ضمن أسئلة موجهة من المجلة العربية بإملاء سماحته في 29 / 5 / 1417 هـ، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 9/ 211).
ومما وقع في الناس واشتهر بدعة الاحتفال بالمولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام، فقد اخترع بعض الناس هذه البدعة واستحسنها، واشتهر بذلك ما فعله ملك إربل في آخر المائة السادسة أو أول المائة السابعة اخترع الدعوة إلى الاحتفال بالمولد، وأقام وليمة كبيرة ودعا الناس إلى ذلك، فصار عمله هذا شرًا على المسلمين، وبدعة ظاهرة تأسى به فيها بعض من جهل أمر الله، وبعض من استحسن عمله ظنًا منه أنه محسن، وأنه بذلك يحيي أثر النبي ﷺ وسيرته وأعماله، ولم يعلم ذلك الملك ومن استحسن ما أحدثه أن البدعة في الدين تنقص للدين، وزيادة فيه لما يشرعها الله عز وجل، ثم هو يعود أيضًا بالتنقص للسلف الصالحين، بل للنبي عليه الصلاة والسلام في المعنى؛ لأنه يقال حينئذ لماذا لم يبينه النبي عليه الصلاة والسلام؟ لماذا لم يشرعه هو؟ لماذا لم يفعله؟ لماذا لم يدع إليه؟ أهو جاهل حتى يحتاج إليهم؟ أو غير ناصح حتى كتم هذا الشيء؟ قد بلغ البلاغ المبين عليه الصلاة والسلام وأظهر ما أمره الله به عز وجل وبينه للأمة، فكل شيء يقرب إلى الله ويدني من رحمته ويباعد من غضبه بينه عليه الصلاة والسلام، وقد بلغ البلاغ المبين عليه الصلاة والسلام، ودل على كل خير ونهى عن كل شر، فلو كان الاحتفال بالموالد وبمولده بالأخص أمرًا مشروعًا لبينه عليه الصلاة والسلام، ولم يسعه أن يكتمه عليه الصلاة والسلام لا قولًا ولا فعلًا، وكذلك أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم وخلفاؤه الراشدون هم أحب الناس لله ولرسوله، هم أكمل الناس إيمانًا وأكمل الناس علمًا وأشدهم رغبة في الحق، فلو كان الاحتفال بالمولد أمرًا مشروعًا لبادروا إليه ولفعلوه ولدعوا إليه، وهكذا التابعون لهم بإحسان في آخر القرن الأول والقرن الثاني، وهكذا من بعدهم في القرن الثالث لم يفعلوا هذا ولم يدعوا إليه، فلما تركوه دل ذلك على أن فعله بدعة؛ لأن تركهم تشريع كما أن فعلهم تشريع، فكل شيء وجدت أسبابه ولم يفعلوه في عهدهم دل على أنه لا يشرع فعله، فكما أن فعله ﷺ حجة وهكذا فعل خلفاؤه الراشدين، فهكذا الترك ما تركوه مما وجد أسبابه يعتبر أيضاً فعله بدعة.